الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

قِصَّةُ حَيَاةٍ

يهوه عزَّاني في كل ضيقاتي

يهوه عزَّاني في كل ضيقاتي

عَلَى ٱلضَّفَّةِ ٱلْغَرْبِيَّةِ مِنْ نَهْرِ ٱلسِّنْدِ،‏ ٱلْمَعْرُوفَةِ ٱلْيَوْمَ بِبَاكِسْتَان،‏ تَقَعُ مَدِينَةُ سُوكُورُ ٱلْقَدِيمَةُ.‏ هُنَاكَ وُلِدْتُ فِي ٩ تِشْرِينَ ٱلثَّانِي (‏نُوفَمْبِر)‏ ١٩٢٩.‏ وَفِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ،‏ أَعْطَى مُرْسَلٌ إِنْكِلِيزِيٌّ لِوَالِدَيَّ مَجْمُوعَةَ كُتُبٍ مُلَوَّنَةٍ.‏ وَكَانَ لِهٰذِهِ ٱلْكُتُبِ دَوْرٌ مُهِمٌّ فِي تَعَلُّمِي ٱلْحَقَّ.‏

دُعِيَتْ هٰذِهِ ٱلْكُتُبُ «مَجْمُوعَةَ قَوْسِ قُزَحَ».‏ وَرُسُومَاتُهَا ٱلْجَمِيلَةُ أَشْعَلَتْ مُخَيِّلَتِي.‏ فَتَشَوَّقْتُ مِنْ عُمْرٍ صَغِيرٍ إِلَى ٱلتَّعَلُّمِ عَنِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏

فِيمَا بَدَأَتِ ٱلْحَرْبُ ٱلْعَالَمِيَّةُ ٱلثَّانِيَةُ تُهَدِّدُ ٱلْهِنْدَ،‏ ٱنْفَصَلَ وَالِدَايَ ثُمَّ تَطَلَّقَا.‏ فَأَحْسَسْتُ أَنَّ عَالَمِي يَنْهَارُ.‏ وَلَمْ أَفْهَمْ لِمَ يَفْتَرِقُ شَخْصَانِ أُحِبُّهُمَا كَثِيرًا.‏ شَعَرْتُ أَنَّ أَحَاسِيسِي مُخَدَّرَةٌ وَأَنَّ ٱلْجَمِيعَ تَخَلَّوْا عَنِّي.‏ لَمْ يَكُنْ لَدَيَّ إِخْوَةٌ،‏ وَٱحْتَجْتُ إِلَى ٱلتَّعْزِيَةِ وَٱلدَّعْمِ.‏

بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ عِشْنَا أَنَا وَأُمِّي فِي ٱلْعَاصِمَةِ كَرَاتْشِي.‏ وَذَاتَ يَوْمٍ،‏ زَارَنَا طَبِيبٌ كَبِيرٌ فِي ٱلْعُمْرِ ٱسْمُهُ فْرِد هَارْدَايْكِر.‏ وَكَانَ مِنْ شُهُودِ يَهْوَهَ مِثْلَ ٱلْمُرْسَلِ ٱلَّذِي أَعْطَى ٱلْكُتُبَ لِوَالِدَيَّ.‏ فَعَرَضَ عَلَى أُمِّي دَرْسًا فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ فَرَفَضَتْ لٰكِنَّهَا قَالَتْ لَهُ إِنِّي قَدْ أَهْتَمُّ بِهٰذِهِ ٱلْمَوَاضِيعِ.‏ فَبَدَأْتُ أَدْرُسُ مَعَهُ فِي ٱلْأُسْبُوعِ ٱلتَّالِي.‏

وَبَعْدَ عِدَّةِ أَسَابِيعَ،‏ بَدَأْتُ أَحْضُرُ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ فِي عِيَادَةِ ٱلْأَخِ هَارْدَايْكِر.‏ وَقَدِ ٱجْتَمَعَ فِيهَا حَوَالَيِ ١٢ شَاهِدًا كَبِيرًا فِي ٱلْعُمْرِ.‏ فَشَجَّعُونِي وَٱهْتَمُّوا بِي كَأَنِّي ٱبْنُهُمْ.‏ وَلَنْ أَنْسَى أَبَدًا كَيْفَ ٱعْتَادُوا أَنْ يَجْلِسُوا بِجَانِبِي لِيَنْظُرُوا إِلَى عَيْنَيَّ حِينَ يَتَحَدَّثُونَ مَعِي.‏ شَعَرْتُ أَنَّهُمْ أَصْدِقَاءُ حَقِيقِيُّونَ،‏ وَهٰذَا تَمَامًا مَا ٱحْتَجْتُ إِلَيْهِ.‏

بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ،‏ دَعَانِي ٱلْأَخُ هَارْدَايْكِر لِأُرَافِقَهُ فِي ٱلْخِدْمَةِ.‏ فَعَلَّمَنِي كَيْفَ أُشَغِّلُ ٱلْفُونُوغْرَافَ ٱلْمَحْمُولَ لِنُسْمِعَ ٱلنَّاسَ خِطَابَاتٍ قَصِيرَةً.‏ وَكَانَ بَعْضُهَا صَرِيحًا جِدًّا.‏ لِذَا لَمْ يُحِبَّ بَعْضُ أَصْحَابِ ٱلْبُيُوتِ رِسَالَتَنَا.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ أَفْرَحَنِي كَثِيرًا عَمَلُ ٱلتَّبْشِيرِ.‏ وَكُنْتُ مُتَحَمِّسًا جِدًّا لِأَنْقُلَ ٱلْحَقَّ إِلَى ٱلْآخَرِينَ.‏

وَفِيمَا ٱسْتَعَدَّ ٱلْجَيْشُ ٱلْيَابَانِيُّ لِغَزْوِ ٱلْهِنْد،‏ مَارَسَتِ ٱلسُّلُطَاتُ ٱلْبَرِيطَانِيَّةُ ضَغْطًا مُتَزَايِدًا عَلَى شُهُودِ يَهْوَهَ.‏ وَلٰكِنْ فِي تَمُّوزَ (‏يُولْيُو)‏ ١٩٤٣،‏ بَدَأَ هٰذَا ٱلضَّغْطُ يُؤَثِّرُ فِي حَيَاتِي.‏ فَمُدِيرُ ٱلْمَدْرَسَةِ،‏ وَهُوَ رَجُلُ دِينٍ أَنْغِلِيكَانِيٌّ،‏ طَرَدَنِي لِأَنِّي «مِثَالٌ سَيِّئٌ لِلتَّلَامِيذِ».‏ كَمَا أَخْبَرَ أُمِّي أَنَّ عِشْرَتِي لِشُهُودِ يَهْوَهَ تُفْسِدُنِي.‏ فَٱرْتَعَبَتْ وَمَنَعَتْنِي مِنْ مُعَاشَرَتِهِمْ.‏ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى أَبِي فِي بِيشَاوَر،‏ وَهِيَ بَلْدَةٌ تَبْعُدُ ١٬٣٧٠ كِيلُومِتْرًا شَمَالًا.‏ وَبَعِيدًا عَنِ ٱلْإِخْوَةِ وَٱلطَّعَامِ ٱلرُّوحِيِّ،‏ خَفَّتْ حَمَاسَتِي لِلْحَقِّ.‏

اِسْتِعَادَةُ صِحَّتِي ٱلرُّوحِيَّةِ

عَامَ ١٩٤٧،‏ عُدْتُ إِلَى كَرَاتْشِي كَيْ أَبْحَثَ عَنْ عَمَلٍ.‏ وَزُرْتُ عِيَادَةَ ٱلطَّبِيبِ هَارْدَايْكِر.‏ فَرَحَّبَ بِي تَرْحِيبًا حَارًّا،‏ ثُمَّ سَأَلَنِي مُفْتَكِرًا أَنِّي مَرِيضٌ:‏

‏-‏ مِمَّ تَشْكُو؟‏

‏-‏ لَسْتُ مَرِيضًا جَسَدِيًّا،‏ بَلْ رُوحِيًّا.‏ وَأَحْتَاجُ أَنْ أَدْرُسَ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ.‏

‏-‏ وَمَتَى تُحِبُّ أَنْ تَبْدَأَ؟‏

‏-‏ اَلْآنَ إِنْ أَمْكَنَ.‏

فَأَمْضَيْنَا أُمْسِيَةً رَائِعَةً فِي دَرْسِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ وَٱرْتَحْتُ كَثِيرًا لِأَنِّي شَعَرْتُ أَنِّي بَيْنَ شَعْبِ يَهْوَهَ مِنْ جَدِيدٍ.‏ وَفِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ،‏ حَاوَلَتْ أُمِّي مُجَدَّدًا أَنْ تَمْنَعَنِي مِنْ مُعَاشَرَةِ ٱلشُّهُودِ.‏ لٰكِنِّي كُنْتُ مُصَمِّمًا أَنْ أَخْدُمَ يَهْوَهَ.‏ فَٱعْتَمَدْتُ فِي ٣١ آبَ (‏أُغُسْطُس)‏ ١٩٤٧.‏ ثُمَّ بَدَأْتُ أَخْدُمُ كَفَاتِحٍ عَادِيٍّ وَأَنَا بِعُمْرِ ١٧ سَنَةً.‏

اَلْفَرَحُ فِي خِدْمَةِ ٱلْفَتْحِ

تَعَيَّنْتُ أَوَّلًا فِي كْوِيتَّا،‏ وَهِيَ بَلْدَةٌ بَعِيدَةٌ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْجَيْشِ ٱلْبَرِيطَانِيِّ.‏ وَلٰكِنْ عَامَ ١٩٤٧،‏ ٱنْقَسَمَتِ ٱلْبِلَادُ إِلَى ٱلْهِنْد وَبَاكِسْتَان.‏ * فَٱنْتَشَرَ ٱلْعُنْفُ ٱلدِّينِيُّ،‏ مَا أَدَّى إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ أَكْبَرِ ٱلْهِجْرَاتِ فِي ٱلتَّارِيخِ.‏ فَقَدْ تَشَرَّدَ نَحْوُ ١٤ مِلْيُونَ لَاجِئٍ.‏ وَٱنْتَقَلَ ٱلْمُسْلِمُونَ فِي ٱلْهِنْد إِلَى بَاكِسْتَان،‏ فِيمَا ٱنْتَقَلَ ٱلْهِنْدُوسُ وَٱلسِّيخُ إِلَى ٱلْهِنْد.‏ وَلٰكِنْ رَغْمَ هٰذِهِ ٱلْأَوْضَاعِ،‏ رَكِبْتُ قِطَارًا مُزْدَحِمًا فِي كَرَاتْشِي وَتَوَجَّهْتُ إِلَى تَعْيِينِي.‏ وَبَقِيتُ مُعْظَمَ ٱلرِّحْلَةِ مُتَمَسِّكًا بِإِحْكَامٍ بِدَرَبْزِينٍ خَارِجِيٍّ،‏ حَتَّى وَصَلْتُ أَخِيرًا إِلَى كْوِيتَّا.‏

فِي مَحْفِلٍ دَائِرِيٍّ فِي ٱلْهِنْد سَنَةَ ١٩٤٨

وَهُنَاكَ،‏ تَعَرَّفْتُ إِلَى فَاتِحٍ خُصُوصِيٍّ فِي أَوَاسِطِ عِشْرِينِيَّاتِهِ يُدْعَى جُورْج سِن.‏ فَأَعْطَانِي دَرَّاجَةً هَوَائِيَّةً قَدِيمَةً كَيْ أَتَنَقَّلَ بِهَا،‏ أَوْ بِٱلْأَحْرَى أَجُرَّهَا،‏ فِي مُقَاطَعَتِنَا ٱلْكَثِيرَةِ ٱلتِّلَالِ.‏ وَبَشَّرْتُ وَحْدِي مُعْظَمَ ٱلْوَقْتِ.‏ وَخِلَالَ ٦ أَشْهُرٍ،‏ دَرَسْتُ مَعَ ١٧ شَخْصًا وَٱعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ.‏ أَحَدُهُمْ كَانَ ضَابِطًا فِي ٱلْجَيْشِ ٱسْمُهُ صَادِق مَاسِي.‏ وَقَدْ سَاعَدَنِي أَنَا وَجُورْج لِنُتَرْجِمَ بَعْضَ ٱلْمَطْبُوعَاتِ إِلَى ٱللُّغَةِ ٱلْأُورْدِيَّةِ،‏ ٱللُّغَةِ ٱلرَّسْمِيَّةِ فِي بَاكِسْتَان.‏ وَمَعَ ٱلْوَقْتِ،‏ صَارَ صَادِق مُبَشِّرًا غَيُورًا.‏

إِلَى مَدْرَسَةِ جِلْعَادَ عَلَى مَتْنِ كْوِين إِلِيزَابِيث

بَعْدَ فَتْرَةٍ،‏ عُدْتُ إِلَى كَرَاتْشِي.‏ فَخَدَمْتُ مَعَ هَنْرِي فِنْتْش وَهَارِي فُورِسْت،‏ أَخَوَيْنِ تَخَرَّجَا مِنْ مَدْرَسَةِ جِلْعَادَ وَوَصَلَا مُنْذُ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ.‏ وَكَمْ أُقَدِّرُ ٱلتَّدْرِيبَ ٱلَّذِي نِلْتُهُ مِنْهُمَا!‏ فَذَاتَ مَرَّةٍ،‏ ذَهَبْتُ مَعَ ٱلْأَخِ فِنْتْش لِنَخْدُمَ شَمَالَ بَاكِسْتَان.‏ فَبَشَّرْنَا بِٱللُّغَةِ ٱلْأُورْدِيَّةِ عِنْدَ سَفْحِ سِلْسِلَةِ جِبَالٍ شَاهِقَةٍ.‏ وَٱلْتَقَيْنَا قَرَوِيِّينَ كَثِيرِينَ مُتَوَاضِعِينَ وَمُتَعَطِّشِينَ إِلَى ٱلْحَقِّ.‏ وَبَعْدَ سَنَتَيْنِ،‏ حَضَرْتُ أَنَا أَيْضًا مَدْرَسَةَ جِلْعَادَ.‏ ثُمَّ عُدْتُ إِلَى بَاكِسْتَان حَيْثُ قُمْتُ أَحْيَانًا بِزِيَارَاتٍ دَائِرِيَّةٍ.‏ وَعِشْتُ فِي لَاهُور فِي بَيْتٍ لِلْمُرْسَلِينَ مَعَ ثَلَاثَةِ مُرْسَلِينَ آخَرِينَ.‏

تَخَطِّي أَزْمَةٍ صَعْبَةٍ

لِلْأَسَفِ،‏ عَامَ ١٩٥٤،‏ وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ ٱلْمُرْسَلِينَ فِي لَاهُور بِسَبَبِ تَضَارُبِ شَخْصِيَّاتِهِمْ.‏ فَقَرَّرَ مَكْتَبُ ٱلْفَرْعِ إِعَادَةَ تَعْيِينِ بَعْضِهِمْ.‏ وَلِأَنِّي ٱنْحَزْتُ إِلَى أَحَدِ ٱلْأَطْرَافِ،‏ نِلْتُ مَشُورَةً قَوِيَّةً.‏ فَتَأَلَّمْتُ كَثِيرًا وَشَعَرْتُ أَنِّي فَشِلْتُ فِي تَعْيِينِي.‏ فَعُدْتُ إِلَى كَرَاتْشِي ثُمَّ ٱنْتَقَلْتُ إِلَى لَنْدَن فِي إِنْكِلْتَرَا،‏ عَلَى أَمَلِ أَنْ أَفْتَحَ صَفْحَةً جَدِيدَةً.‏

ضَمَّتْ جَمَاعَتِي فِي لَنْدَن عَدَدًا مِنْ أَعْضَاءِ عَائِلَةِ بَيْتَ إِيلَ.‏ وَمِنْ بَيْنِهِمْ خَادِمُ ٱلْفَرْعِ،‏ بْرَايْس هْيُوز.‏ كَانَ ٱلْأَخُ هْيُوز لَطِيفًا جِدًّا وَٱهْتَمَّ بِي.‏ فَأَخْبَرَنِي عَنْ مَشُورَةٍ قَوِيَّةٍ تَلَقَّاهَا مَرَّةً مِنَ ٱلْأَخِ جُوزِيف رَذَرْفُورْد.‏ وَآنَذَاكَ،‏ كَانَ ٱلْأَخُ رَذَرْفُورْد يُشْرِفُ عَلَى عَمَلِ ٱلتَّبْشِيرِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ.‏ وَحِينَ حَاوَلَ ٱلْأَخُ هْيُوز أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ،‏ وَبَّخَهُ ٱلْأَخُ رَذَرْفُورْد بِقَسَاوَةٍ.‏ لٰكِنِّي تَفَاجَأْتُ حِينَ رَأَيْتُ ٱلْأَخَ هْيُوز يَبْتَسِمُ وَهُوَ يَتَذَكَّرُ مَا حَصَلَ.‏ فَقَدْ أَحْزَنَتْهُ تِلْكَ ٱلْحَادِثَةُ فِي ٱلْبِدَايَةِ،‏ لٰكِنَّهُ أَدْرَكَ لَاحِقًا أَنَّهُ بِحَاجَةٍ إِلَى هٰذِهِ ٱلْمَشُورَةِ ٱلْقَوِيَّةِ.‏ وَٱعْتَبَرَهَا دَلِيلًا عَلَى مَحَبَّةِ يَهْوَهَ لَهُ.‏ (‏عب ١٢:‏٦‏)‏ فَأَثَّرَ ذٰلِكَ فِيَّ كَثِيرًا،‏ وَسَاعَدَنِي كَيْ أَسْتَعِيدَ تَوَازُنِي ٱلرُّوحِيَّ.‏

خِلَالَ تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ،‏ ٱنْتَقَلَتْ أُمِّي إِلَى لَنْدَن.‏ فَعَرَضَ عَلَيْهَا ٱلْأَخُ جُون إِ.‏ بَارُّ،‏ ٱلَّذِي خَدَمَ لَاحِقًا فِي ٱلْهَيْئَةِ ٱلْحَاكِمَةِ،‏ دَرْسًا فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ فَوَافَقَتْ وَبَدَأَتْ تَتَقَدَّمُ.‏ ثُمَّ ٱعْتَمَدَتْ عَامَ ١٩٥٧.‏ وَعَلِمْتُ لَاحِقًا أَنَّ أَبِي أَيْضًا دَرَسَ مَعَ شُهُودِ يَهْوَهَ قَبْلَ وَفَاتِهِ.‏

وَفِي عَامِ ١٩٥٨،‏ تَزَوَّجْتُ لِين،‏ أُخْتًا دَانِمَارْكِيَّةً تَعِيشُ فِي لَنْدَن.‏ وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلتَّالِيَةِ رُزِقْنَا بِٱبْنَتِنَا جَايْن،‏ وَكَانَتْ أَوَّلَ أَوْلَادِنَا ٱلْخَمْسَةِ.‏ كَمَا عُيِّنْتُ شَيْخًا فِي جَمَاعَةِ فُولَم.‏ لٰكِنَّ لِين عَانَتْ مِنْ مَشَاكِلَ صِحِّيَّةٍ.‏ فَٱضْطُرِرْنَا أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى مَكَانٍ أَكْثَرَ دِفْئًا.‏ لِذَا ٱنْتَقَلْنَا عَامَ ١٩٦٧ إِلَى أَدِيلَايْد فِي أُوسْتْرَالِيَا.‏

حُزْنٌ يَسْحَقُ ٱلْقَلْبَ

ضَمَّتْ جَمَاعَتُنَا فِي أَدِيلَايْدَ ١٢ مَمْسُوحًا كَبِيرًا فِي ٱلسِّنِّ.‏ كَانُوا قِيَادِيِّينَ وَغَيُورِينَ جِدًّا فِي عَمَلِ ٱلْبِشَارَةِ.‏ فَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى صَارَ لَدَى عَائِلَتِنَا رُوتِينٌ رُوحِيٌّ جَيِّدٌ.‏

وَعَامَ ١٩٧٩،‏ وُلِدَ ٱبْنُنَا ٱلْخَامِسُ دَانِيَال،‏ وَكَانَ يُعَانِي مِنْ مُتَلَازِمَةِ دَاوْن.‏ * فَقَالَ لَنَا ٱلْأَطِبَّاءُ إِنَّهُ لَنْ يَعِيشَ طَوِيلًا.‏ وَمَا زِلْتُ حَتَّى ٱلْآنَ أَسْتَصْعِبُ أَنْ أَصِفَ ٱلْأَلَمَ وَٱلْحُزْنَ ٱللَّذَيْنِ شَعَرْنَا بِهِمَا.‏ فَعَلْنَا كُلَّ مَا فِي وِسْعِنَا لِنَعْتَنِيَ بِهِ دُونَ أَنْ نُهْمِلَ بَاقِيَ أَوْلَادِنَا.‏ وَأَحْيَانًا كَانَ دَانِيَال يَزْرَقُّ بِسَبَبِ نَقْصٍ فِي ٱلْأُكْسِجِينِ نَاتِجٍ عَنْ ثِقْبَيْنِ فِي قَلْبِهِ.‏ فَنُسْرِعُ بِهِ إِلَى ٱلْمُسْتَشْفَى.‏ وَلٰكِنْ رَغْمَ صِحَّتِهِ ٱلرَّدِيئَةِ،‏ كَانَ ذَكِيًّا وَقَرِيبًا مِنَ ٱلْقَلْبِ وَيُحِبُّ يَهْوَهَ كَثِيرًا.‏ فَهُوَ لَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَتَنَاوَلَ ٱلطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ.‏ وَكَانَ كُلَّمَا صَلَّيْنَا،‏ يَشْبِكُ يَدَيْهِ ٱلصَّغِيرَتَيْنِ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ ثُمَّ يَقُولُ «آمِينَ».‏

عِنْدَمَا بَلَغَ دَانِيَالُ ٱلرَّابِعَةَ مِنَ ٱلْعُمْرِ،‏ أُصِيبَ بِلُوكِيمْيَا حَادَّةٍ.‏ آنَذَاكَ،‏ كُنَّا أَنَا وَلِين مُسْتَنْزَفَيْنِ جَسَدِيًّا وَعَاطِفِيًّا.‏ وَلٰكِنْ حِينَ شَعَرْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ أَنَّنَا عَلَى وَشْكِ ٱلِٱنْهِيَارِ،‏ زَارَنَا نَاظِرُ دَائِرَتِنَا نِيفِيل بْرَامِيتْش.‏ كُنَّا يَائِسَيْنِ.‏ فَلَفَّ ذِرَاعَيْهِ حَوْلَنَا وَبَكَى مَعَنَا.‏ وَكَمْ أَرَاحَتْنَا زِيَارَتُهُ!‏ لَنْ نَنْسَى أَبَدًا مَحَبَّتَهُ وَتَعَاطُفَهُ وَكَلِمَاتِهِ ٱلْمُعَزِّيَةَ.‏ وَقَدْ بَقِيَ مَعَنَا حَتَّى ٱلْوَاحِدَةِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ.‏ وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى تُوُفِّيَ دَانِيَال.‏ وَخَسَارَتُهُ هِيَ أَسْوَأُ مِحْنَةٍ وَاجَهْنَاهَا.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ صَبَرْنَا وَاثِقَيْنِ أَنْ لَا شَيْءَ،‏ وَلَا حَتَّى ٱلْمَوْتَ،‏ قَادِرٌ أَنْ يَفْصِلَ دَانِيَال عَنْ مَحَبَّةِ يَهْوَهَ لَهُ.‏ (‏رو ٨:‏٣٨،‏ ٣٩‏)‏ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ بِشَوْقٍ أَنْ نَرَاهُ مُجَدَّدًا وَنَعِيشَ مَعَهُ فِي عَالَمِ ٱللهِ ٱلْجَدِيدِ.‏ —‏ يو ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏.‏

مُسَاعَدَةُ ٱلْآخَرِينَ تُفْرِحُنَا

مَا زِلْتُ أَخْدُمُ كَشَيْخٍ مَعَ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْ سَكْتَتَيْنِ دِمَاغِيَّتَيْنِ.‏ وَمَا مَرَرْتُ بِهِ عَلَّمَنِي أَنْ أَتَعَاطَفَ مَعَ ٱلْآخَرِينَ،‏ خُصُوصًا ٱلَّذِينَ يَمُرُّونَ بِمَشَاكِلَ.‏ وَأَنَا أَسْعَى أَلَّا أَدِينَهُمْ.‏ بَدَلًا مِنْ ذٰلِكَ،‏ أَسْأَلُ نَفْسِي:‏ ‹مَا خَلْفِيَّتُهُمْ؟‏ كَيْفَ تُؤَثِّرُ فِي طَرِيقَةِ تَفْكِيرِهِمْ وَرَدَّةِ فِعْلِهِمْ؟‏ كَيْفَ أُظْهِرُ لَهُمْ أَنِّي أُحِبُّهُمْ؟‏ وَكَيْفَ أُشَجِّعُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُرْضِي يَهْوَهَ؟‏›.‏ وَأُحِبُّ مِنْ كُلِّ قَلْبِي أَنْ أَقُومَ بِزِيَارَاتٍ رِعَائِيَّةٍ.‏ فَعِنْدَمَا أُسَاعِدُ ٱلْآخَرِينَ وَأُعَزِّيهِمْ،‏ أَشْعُرُ أَنِّي تَعَزَّيْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَدَّدْتُ نَشَاطِي.‏

مَا زِلْتُ أَفْرَحُ كَثِيرًا بِٱلْقِيَامِ بِٱلزِّيَارَاتِ ٱلرِّعَائِيَّةِ

وَٱلْيَوْمَ،‏ أَشْعُرُ كَمَا شَعَرَ صَاحِبُ ٱلْمَزْمُورِ ٱلَّذِي قَالَ:‏ «لَمَّا كَثُرَتْ هُمُومِي فِي دَاخِلِي،‏ لَاطَفَتْ تَعْزِيَاتُ [يَهْوَهَ] نَفْسِي».‏ (‏مز ٩٤:‏١٩‏)‏ فَيَهْوَهُ قَوَّانِي عِنْدَمَا وَاجَهْتُ ٱلْمَشَاكِلَ ٱلْعَائِلِيَّةَ،‏ ٱلْمُقَاوَمَةَ ٱلدِّينِيَّةَ،‏ خَيْبَاتِ ٱلْأَمَلِ،‏ وَٱلْكَآبَةَ.‏ فِعْلًا،‏ كَانَ يَهْوَهُ وَلَا يَزَالُ أَبًا حَقِيقِيًّا لِي.‏

^ ‎الفقرة 19‏ تَأَلَّفَتْ بَاكِسْتَان فِي ٱلْبِدَايَةِ مِنْ بَاكِسْتَانَ ٱلْغَرْبِيَّةِ (‏ٱلْآنَ بَاكِسْتَان)‏ وَبَاكِسْتَانَ ٱلشَّرْقِيَّةِ (‏ٱلْآنَ بَنْغْلَادِش)‏.‏

^ ‎الفقرة 29‏ اُنْظُرِ ٱلْمَقَالَةَ «‏مَا تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ أَنْدْرُو‏» فِي عَدَدِ ٨ كَانُونَ ٱلْأَوَّلِ (‏دِيسَمْبِر)‏ ١٩٩٥ مِنْ إِسْتَيْقِظْ!‏.‏