هل فقدت املك بالله؟
تعرَّض سيدناي ابن الرابعة والعشرين عاما الى حادث تركه اسير كرسي متحرك. لذا سأل وفي قلبه حسرة: «لمَ انا بالذات؟ لم سمح الله بذلك؟».
يلوم الناس الله فورا عندما تحل بهم حروب او كوارث او حوادث او يموت احد احبائهم او يصابون بالامراض. وهذا ليس مستغربا. فقديما، لام ايوب الله خطأً عندما توالت عليه المصائب، قائلا: «أستغيث بك فلا تجيبني، اقف لتنتبه الي. فتصير قاسيا علي، وتعاديني بكل ما أُوتيَت يدك من قوة». — ايوب ٣٠:
والسبب ان ايوب لم يعرف مَن المسؤول عن مصائبه، لمَ تحل به، او لمَ سُمح بها. اما نحن اليوم فنعرف من الكتاب المقدس سببها وكيف نتخطَّاها.
هل اراد الله ان يتعذَّب البشر؟
يقول الكتاب المقدس عن الله: «كامل صنيعه، لأن جميع طرقه عدل. اله امانة لا ظلم عنده، بار ومستقيم هو». (تثنية ٣٢:٤) لذا ينشأ السؤال التالي: هل من المنطقي ان يعذِّب اله «بار ومستقيم» البشر او يبتليهم بالمصائب ليعاقبهم او ليكفِّر عن ذنوبهم؟
يوضح الكتاب المقدس: «لا يقل احد وهو في محنة: ‹ان الله يمتحنني›. فإن الله لا يمكن ان يُمتحَن بالسيئات، ولا هو يمتحن احدا». (يعقوب ١:١٣) وهو يكشف لنا ان الله اعطى البشر بداية مثالية. فقد منح الزوجين البشريين الاولين آدم وحواء موطنا جميلا ووفَّر لهما ضروريات الحياة. وأعطاهما ايضا عملا مفيدا حين اوصاهما قائلا: «أثمرا واكثرا واملأا الارض وأخضعاها». فلم يكن لديهما على الاطلاق اي سبب ليشعرا ان الله خذلهما. — تكوين ١:٢٨.
لكنَّ الظروف المعيشية اليوم بعيدة كل البعد عن المثالية. وفي الواقع، يعاني البشر منذ فجر التاريخ مشقات هائلة. وصادق تماما هو وصف روما ٨:٢٢: «الخليقة كلها تئن وتتوجَّع معا الى الآن». فماذا حدث؟
لماذا نتألَّم؟
لمعرفة الجواب، علينا العودة الى اصل المشكلة. فقد حرَّض ملاك متمرد، دُعي لاحقا الشيطان ابليس، آدم وحواء ان يأكلا من «شجرة معرفة الخير والشر»، وبالتالي ان يرفضا مقياس الله للصواب والخطإ. فإبليس اخبر حواء انها وزوجها آدم لن يموتا إن تمرَّدا على الله، متَّهما اياه بالكذب. كما اتَّهمه انه يحرم رعاياه من حقهم في تقرير ما هو صواب وما هو خطأ. (تكوين ٢:١٧؛ ٣:
هذا وإنه اثار قضية اخرى ايضا. فقد اتَّهم البشر انهم يخدمون الله بدوافع انانية. قال الشيطان عن ايوب الامين: «أمَا سيَّجت انت [الله] حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل جهة؟ . . . ولكن مدَّ يدك ومَسَّ كل ما له، وانظر ان كان لا يلعنك في وجهك». (ايوب ١:
كيف يبتّ الله المسألة؟
ما هو الحل النهائي لهاتين القضيتين الجوهريتين؟ لدى الله الحل الامثل، حل لا يخيِّب املنا ابدا. فالله قرَّر بحكمته الفائقة ان يسمح للبشر ان يحكموا انفسهم فترة من الزمن تاركا النتائج تحدِّد ايُّما افضل: حكم الله او الانسان. — روما ١١:٣٣.
واليوم، تبيِّن احوال الارض المزرية ان البشر فشلوا ارميا ١٠:٢٣) فحكم الله وحده يضمن للبشر ان يتمتَّعوا بالامان والسعادة والازدهار الى الابد. وهذا هو قصده من البداية. — اشعيا ٤٥:١٨.
فشلا ذريعا. فالحكومات البشرية لم تعجز فقط عن احلال السلام والامن والسعادة، بل اوصلت الارض ايضا الى شفير الهلاك. وهذا يؤكد الحقيقة المهمة في الكتاب المقدس: «ليس لإنسان يمشي ان يوجِّه خطواته». (وكيف يتمِّم الله هذا القصد؟ نجد الاجابة في الصلاة التي علَّمها يسوع لأتباعه. قال: «ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض». (متى ٦:١٠) ففي الوقت المعيَّن، سيمحو الله بواسطة ملكوته كل اسباب الالم. (دانيال ٢:٤٤) مثلا، سيصبح الفقر والمرض والموت في خبر كان. تذكر الاسفار المقدسة بشأن الفقر: «ينقذ [الله] الفقير المستغيث». (مزمور ٧٢:
كيف تتخطَّى مشاعر الخيبة؟
قال سيدناي المذكور في مستهل المقالة بعد نحو ١٧ عاما من الحادث: «لم ألُم يهوه الله قط على الحادث، لكنِّي أعترف انني شعرت في البداية بأنه خذلني. وإلى هذا اليوم، يغلبني احيانا حزن شديد عندما افكِّر في اعاقتي، فأسترسل في البكاء. لكنِّي ادرك ان الحادث لم يكن عقابا من الله. فالكتاب المقدس يقول ان ‹الوقت والحوادث غير المتوقعة تصيبنا كافة›. والصلاة وقراءة آيات معينة ترفعان من معنوياتي وتساعدانني ان اصبح اقوى روحيًّا». — جامعة ٩:١١؛ مزمور ١٤٥:١٨؛ ٢ كورنثوس ٤:
عندما نبقي في ذهننا لمَ سمح الله بالالم وكيف سيزيله قريبا، نتمكَّن من تخطِّي مشاعر الخيبة التي قد تنتابنا. ولا ننسَ ان الله «يكافئ الذين يجدُّون في طلبه». فلن يخيب ابدا كل مَن يؤسِّس ايمانه عليه وعلى ابنه. — عبرانيين ١١:٦؛ روما ١٠:١١.