هدية ملوكية
«منجمون من المشارق . . . فتحوا ايضا كنوزهم وقرَّبوا له هدايا: ذهبا ولُبانا ومُرّا». — متى ٢:
اذا اردت ان تقدِّم هدية لشخص رفيع المقام، فماذا تختار؟ في زمن الكتاب المقدس، كانت بعض الاطياب غالية جدا مثلها مثل الذهب النفيس، لذا اعتُبرت هدية قيِّمة تليق بالملوك. فالمنجمون مثلا قدَّموا ليسوع، «ملك اليهود»، هدية ثمينة من الذهب واثنين من الاطياب العطرية. — متى ٢:
زيت البلسان
ويتحدث الكتاب المقدس ايضا عن زيارة ملكة سبأ لسليمان قائلا انها «اعطت الملك مئة وعشرين وزنة ذهب وكثيرا جدا من زيت البلسان وحجارة كريمة. ولم يكن مثل زيت البلسان هذا الذي أعطته ملكة سبأ للملك سليمان». * (٢ اخبار الايام ٩:٩) كما ان ملوكا كثيرين قدَّموا لسليمان زيت البلسان تعبيرا عن حسن نيتهم. — ٢ اخبار الايام ٩:
ولكن لمَ كانت هذه الاطياب قيِّمة جدا وغالية الثمن في زمن الكتاب المقدس؟ يعود السبب الى استعمالاتها المهمة والمتعددة. فقد استُخدمت لأغراض تجميلية، وفي الشعائر الدينية، وعند تهيئة الموتى للدفن. (انظر الاطار « استعمال الاطياب والتوابل في زمن الكتاب المقدس».) وبالاضافة الى الطلب الكبير عليها، كانت هذه الاطياب غالية بسبب تكاليف نقلها وتسويقها.
عبر الصحراء العربية
سليخة
في زمن الكتاب المقدس، نمت بعض النباتات التي استُخرجت منها الاطياب والتوابل في وادي الاردن. الا ان عددا من الاطياب والتوابل تمّ استيراده من بلاد اخرى. ويأتي الكتاب المقدس على ذكر مجموعة متنوعة من الاطياب اشهرها الزعفران، الألاوية، البلسان، القرفة، اللُّبان، والمُرّ، فضلا عن التوابل المستعملة لتطييب الطعام مثل الكمون والنعناع والشِّبِث.
ومن اين استُوردت الاطياب والتوابل؟ وُجدت الألاوية والسليخة والقرفة في ما يُعرف اليوم بالصين والهند وسري لانكا. والاطياب الاخرى مثل المُرّ واللُّبان كان مصدرها اشجارا وجنبات نمت في المنطقة الصحراوية الممتدة من جنوب شبه الجزيرة العربية الى الصومال في افريقيا. اما الناردين، اي الناردين السنبلي، فهو منتج هندي مصدره الوحيد جبال الهملايا.
زعفران
وخلال رحلة الكثير من الاطياب والتوابل الى اسرائيل، كان لا بد من مرورها عبر شبه الجزيرة العربية. وهذا بشكل رئيسي جعل من تجار المنطقة خلال القرنين الثاني والاول قبل الميلاد «اهم من احتكر تجارة السلع بين الشرق والغرب»، حسبما يوضح كتاب التوابل (بالانكليزية). وقد وُجدت في النَّقب جنوبي اسرائيل بلدات قديمة وحصون
ومحطات للقوافل تكشف عن المسارات التي سلكها تجار الاطياب والتوابل. ويذكر مركز التراث العالمي التابع لليونسكو ان تلك المستعمرات «تشهد كم حققت هذه التجارة من ارباح طائلة . . . من جنوب شبه الجزيرة العربية الى البحر المتوسط».«الاطياب والتوابل بحجمها الصغير وثمنها الغالي والطلب الدائم عليها كانت سلعة مستحبة جدا في التجارة». — كتاب التوابل
وقد اعتادت القوافل المحملة بهذه الاطياب والتوابل ان تقطع ١٬٨٠٠ كيلومتر تقريبا عبر شبه الجزيرة العربية. (ايوب ٦:١٩) ويشير الكتاب المقدس الى قافلة تجار اسماعيليين حملت «لاذنا وبلسانا ولحاء صمغيا» من جلعاد الى مصر. (تكوين ٣٧:٢٥) وبنو يعقوب باعوا اخاهم يوسف عبدا الى هؤلاء التجار.
«نجاح لا مثيل له في كتمان السر»
شِبِث
طوال قرون، سيطر العرب على تجارة معظم الاطياب والتوابل، وأصبحوا بالتالي المستوردين الحصريين للأنواع التي منشأها آسيا مثل السليخة والقرفة. وبهدف احباط المحاولات في البحر المتوسط لإقامة علاقات تجارية مباشرة مع المصادر في الشرق الاقصى، اشاع العرب حكايات خرافية عن المخاطر المتأتية عن الحصول على هذه السلع. و «لعلهم تمكنوا من تحقيق نجاح لا مثيل له في كتمان السر التجاري» اي المصدر الحقيقي للأطياب والتوابل، حسبما ورد في كتاب التوابل.
كمون
وما الحكايات التي اشاعها العرب؟ يروي المؤرخ اليوناني هيرودوتُس، من القرن الخامس قبل الميلاد، قصصا عن طيور مخيفة كانت تبني اعشاشها من لحاء القرفة في اعلى منحدرات صخرية شاهقة. وللحصول على هذه السلعة الثمينة، كما كتب هيرودوتُس، كان الرجال يضعون قطعا كبيرة
من اللحم عند اسفل المنحدرات، فتتهافت الطيور الطمّاعة عليها وتحمل الكثير منها الى اعشاشها، ما يتسبب بوقوع هذه الاعشاش وتحطمها. وعندئذ يسارع الرجال الى التقاط لحاء القرفة ويبيعونه الى التجار. وقد سرت اساطير كهذه بين الناس على نطاق واسع. ويذكر كتاب التوابل ان القرفة «بيعت بأسعار غالية نظرا الى . . . المخاطر المزعومة لجمعها».نعناع
ولكن مع مرور الوقت، كُشف النقاب عن سر العرب وأفلت زمام هذه التجارة من ايديهم. وبحلول القرن الاول قبل الميلاد، كانت الاسكندرية قد اصبحت مرفأ كبيرا في مصر ومركزا هاما لتجارة الأطياب والتوابل. وما ان تعلَّم التجار كيف يستغلون الرياح الموسمية في المحيط الهندي حتى بدأت السفن الرومانية تبحر من المرافئ المصرية باتجاه الهند. وفي نهاية المطاف، اصبحت هذه السلع الفاخرة متوافرة وسعرها مقبولا.
واليوم شتّان ما بين قيمة الاطياب والتوابل وقيمة الذهب! وربما لا احد منا يعتبرها هدية ملوكية. الا ان ملايين الناس حول العالم ما زالوا يستعملونها في صنع العطور والادوية، وفي تطييب الاطباق ايضا. فلا شك ان الاطياب والتوابل الذكية الرائحة ما زالت مرغوبة اليوم كما كانت منذ آلاف السنين.
القرفة
^ الفقرة 4 تشير عبارة «زيت البلسان» الى زيوت او راتنجات عطرية تُستخرج من الاشجار والجنبات.