اربعة عوامل يُحسب لها حساب
بعد تقييم الاضرار، يقف المالكون امام خيار من اثنين: إما ان يهدموا البيت او ينقذوه من الانهيار.
هل انت ايضا امام قرار مصيري في حياتك الزوجية؟ ربما خان رفيق دربك الثقة التي أوليته اياها او ان الخلافات المتكررة اتت على السعادة التي جمعت بينكما. لذا قد تقول في نفسك: ‹لقد انطفأت شرارة الحب بيننا›، ‹نحن لم نخلَق واحدنا للآخر› او ‹تسرّعنا عندما اقدمنا على الزواج›. حتى انك قد تفكر: ‹ربما يحسن بنا ان ننهي علاقتنا›.
ولكن قبل ان تتخذ قرارا متسرعا بفسخ زواجك، توقف وفكر مليا. فالطلاق ليس على الدوام دواء ناجعا لهموم الحياة. فهو غالبا ما ينتشلك من مشاكل ليغرقك في اخرى. يحذّر الدكتور براد ساكس في كتاب له يتناول تربية المراهقين: «يحلم الازواج المقدِمون على الانفصال بالطلاق المثالي، حين تنحسر فجأة وإلى الابد غيوم الخلافات العاصفة والبغيضة لتحل محلها نسائم عليلة من السكينة والراحة. بيد ان الطلاق المثالي شأنه شأن الزواج المثالي هو سراب ليس الا». (The Good Enough Teen) فمن الضروري اذًا ان تقارب موضوع الطلاق بواقعية بعد ان تطّلع على كافة جوانبه.
نظرة الكتاب المقدس الى الطلاق
لا ينظر الكتاب المقدس الى الطلاق نظرة استخفاف. بل يذكر ان يهوه اللّٰه يعتبر التخلي بتهور عن رفيق الزواج، ربما بغية الاقتران بآخر، تصرفا غادرا ومقيتا. (ملاخي ٢:١٣-١٦) فالزواج هو رباط يدوم مدى الحياة. (متى ١٩:٦) ولعل زيجات كثيرة تحطمت لأسباب واهية كان يمكن انقاذها لو اكثر الزوجان من الغفران. — متى ١٨:٢١، ٢٢.
من جهة اخرى، يجيز الكتاب المقدس الطلاق والتزوج ثانية في حالة واحدة فقط: اقامة علاقة جنسية خارج اطار الزواج. (متى ١٩:٩) لذلك ان علمت ان شريكك لم يخلص لك الحب، فمن حقك انهاء زواجك. ولا ينبغي للآخرين ان يفرضوا آراءهم عليك، ولا هدف هذه المقالة ان تملي عليك ما يجب فعله. ففي نهاية المطاف، انت من سيتحمل النتائج وبالتالي انت وحدك صاحب القرار. — غلاطية ٦:٥.
غير ان الكتاب المقدس يذكر: «النبيه يتأمل في خطواته». (امثال ١٤:١٥) لذا حتى لو كان الطلاق مبررا في حالتك على اساس الاسفار المقدسة، فالأَولى بك ان تتأمل في تبعات هذه الخطوة. (١ كورنثوس ٦:١٢) يقول دايڤيد من بريطانيا: «يظن البعض ان عليهم اتخاذ القرار سريعا، ولكنني تعلّمت من اختباري الخاص كم هو ضروري ان تخصص وقتا كافيا لتقلّب المسألة مليّا في ذهنك». *
فلنستعرض اربعة عوامل ينبغي ان تحسب لها حسابا. وفيما نتوسع في الموضوع، لاحظ من فضلك ان ايّا من الاشخاص المطلقين الذين سيروون اختباراتهم لا يقول انه ندم على قرار الطلاق. الا ان تعليقاتهم تلقي الضوء على بعض التحديات التي غالبا ما تنشأ في الاشهر او حتى السنوات التي تلي حل رباط الزواج.
١ المشكلة المادية
بعد زواج دام ١٢ سنة، اكتشفت دانييلا من ايطاليا ان زوجها على علاقة بزميلة له. تقول: «عندما علمت بالامر كانت المرأة حاملا في شهرها السادس».
قررت دانييلا بعد فترة من الانفصال ان تحصل على الطلاق. تذكر: «حاولت ان انقذ علاقتنا، لكن زوجي استمر في خيانتي». ومع انها تشعر ان قرارها كان صائبا، فهي تخبر: «ما ان انفصل واحدنا عن الآخر حتى تدهور وضعي المادي. ففي بعض الامسيات، لم يكن لدي اي طعام، فكنت اكتفي بكوب من الحليب».
عانت ماريا من اسبانيا نكسة مادية مماثلة. تقول: «لا يمدّنا زوجي السابق بأي دعم مادي، وأنا مضطرة الى العمل بكد لأفي ديونه. كما أُجبرت على ترك منزلنا المريح والانتقال الى شقة صغيرة في منطقة غير آمنة».
يبين هذان الاختباران ان فسخ الزواج غالبا ما يوجّه صفعة قوية الى المرأة على الصعيد المادي. وفي الواقع، اظهرت نتائج دراسة اوروبية دامت سبع سنوات ان دخل الرجال ازداد بنسبة ١١ في المئة بعد الطلاق فيما انخفض دخل النساء ١٧ في المئة. وتعلّق ميكِه جانسن التي ترأست الدراسة قائلة: «تواجه بعض النساء ظروفا شاقة عندما يتوجب عليهن في آن واحد الاعتناء بالاولاد، ايجاد عمل، ومواجهة آثار الطلاق العاطفية». وقد اشار بعض المحامين ان عوامل كهذه «تجبر الشخص ان يعدّ الى العشرة قبل الانفصال»، حسبما اوردت صحيفة ذا دايلي تلڠراف اللندنية.
الخلاصة: ان اخترتِ الطلاق فقد يتراجع مدخولك، وربما تضطرين الى ترك منزلك المريح. وإذا حظيت بحق الوصاية، فقد يشقّ عليك ان تعيلي نفسك وتعتني جيدا بحاجات اولادك. — ١ تيموثاوس ٥:٨.
٢ الاهتمام بالاولاد
تخبر امرأة من بريطانيا اسمها جاين: «وقعت خيانة زوجي عليّ وقع الصاعقة، وكم انسحق قلبي حزنا عندما عرفت انه اختار ان يهجرنا!». طلقت جاين زوجها، وهي لا تزال حتى الآن مقتنعة بصحة قرارها. لكنها تعترف: «احد التحديات التي واجهتني كان تأدية دور الاب والام في الوقت نفسه. فقد أُرغمت على بتّ كل المسائل بمفردي».
قاست ڠراسيللا وهي ام مطلقة تعيش في اسبانيا ظروفا مشابهة. تقول: «نلت الوصاية الكاملة على ابني البالغ من العمر ١٦ سنة. لكن المراهقة عمر صعب ولم اكن مهيأة لأتحمل وحدي مسؤولية تربيته. فأمضيت اياما وليالي طوالا اذرف دموعا حرّى، وشعرت بأني ام فاشلة».
وقد يكابد الذين يتشاركون في الوصاية مشكلة اضافية. فعليهم ان يفاوضوا رفيق زواجهم السابق في مسائل تثير الحساسيات كالزيارات وإعالة الاولاد والتأديب. تذكر كريستين وهي ام مطلقة من الولايات المتحدة: «ليس التعاون مع شريكك السابق بالامر اليسير. فقد ينتابك مزيج من المشاعر المتضاربة، وإذا لم تحترس فقد تجد نفسك تستغل ولدك كي تدير دفة الامور لصالحك».
الخلاصة: قد لا تأتي ترتيبات الوصاية الصادرة عن المحكمة موافِقة لتفضيلاتك. وفي حال كانت الوصاية على الاولاد مشتركة، فقد لا يشاطرك رفيق زواجك الآراء عينها في المسائل الآنفة الذكر كالزيارات والإعالة وغيرها.
٣ وقْع الطلاق عليك
يقول مارك من بريطانيا الذي خانته زوجته اكثر من مرة: «لم احتمل الفكرة انها يمكن ان تعيد الكرة». ومع انه طلق زوجته، اكتشف ان حبها لا يزال يملأ قلبه. يضيف: «يظن الناس انهم يساندونني عندما يذمّونها، لكن ظنهم ليس في محله. فالحقيقة هي ان الحب لا يخبو بسرعة».
اذاب الحزن ايضا نفس دايڤيد المذكور سابقا حين اكتشف ان زوجته متورطة بعلاقة مع رجل آخر. يقول: «لم اصدق ألبتة ما حصل. فقد اردت من اعماق قلبي ان امضي كل ايام حياتي الى جانبها هي وأولادنا». صحيح ان دايڤيد آثر الطلاق، لكن الانفصال زرع فيه بذور الشك حيال مستقبله. يذكر: «تتجاذبني الشكوك ان كان احد سيحبني محبة حقيقية وأخشى ان يعيد الماضي نفسه اذا ما ارتبطت بشخص آخر. لقد تزعزت ثقتي بكل ما حولي».
اذا كنت مطلقا، فمن الطبيعي ان تختلج في اعماقك مشاعر متفاوتة. فمن جهة، ربما لا تزال على حبك للشخص الذي اتّحدت وإياه في جسد واحد. (تكوين ٢:٢٤) ومن جهة اخرى، قد تقع فريسة الاستياء بسبب ما جرى. تقول ڠراسيللا المقتبس منها آنفا: «حتى بعد مضي عدة سنوات، يستأثر بك الاحساس بالعجز والارتباك والمهانة. وحين ترجع بك الذاكرة الى عدة لحظات سعيدة امضيتها مع نصفك الآخر، تفكر في قرارة نفسك: ‹اعتاد ان يردد على مسمعي انه لا يستطيع العيش من دوني. فهل كان يكذب طوال الوقت؟ لمَ وصلت بنا الامور الى هنا؟›».
الخلاصة: قد يلازمك الشعور بالغضب والاستياء بسبب المعاملة السيئة التي لقيتها من رفيق زواجك. وفي بعض الاحيان، يمكن ان تغرق في وحدة قاتلة. — امثال ١٤:٢٩؛ ١٨:١.
٤ اثر الطلاق في الاولاد
يذكر خوسّيه وهو اب مطلق من اسبانيا: «اخذني اسى لا حد له. وبلغ عذابي اشدّه عندما اكتشفت ان الرجل الآخر لم يكن الا زوج اختي. جلّ ما طلبته آنذاك هو الموت». وقد تبين لخوسّيه ان ذيول مسلك زوجته امتدّت لتشمل ايضا ولديه البالغين من العمر سنتين
وأربع سنوات. يقول: «لم يكن في وسعهما استيعاب الوضع الجديد. فلم يفهما لمَ تعيش امهما مع زوج عمتهما ولمَ أُجبرنا على الانتقال والسكن مع اختي وأمي. وكانا يقولان لي كلما هممت بالخروج من البيت: ‹متى تعود؟› او ‹بابا لا تتركنا!›».غالبا ما يكون الاولاد هم الضحايا المنسيين بعد انتهاء معركة الطلاق. ولكن ما الحل ان لم يتمكن الوالدان من العيش معا بانسجام؟ هل الطلاق عندئذ «يصب في مصلحة الاولاد»؟ في السنوات الاخيرة، لاقت هذه الفكرة انتقادا واسعا، وبالأخص حين تكون المشاكل الزوجية غير مستعصية. يذكر كتاب آثار الطلاق غير المتوقعة (بالانكليزية): «سيتفاجأ العديد من الازواج العالقين في زيجات تعيسة عندما يعرفون ان اولادهم سعداء نسبيا. فلا يهمّ هؤلاء الصغار اذا اوى ابوهم وامهم كلٌّ الى فراش ما دامت العائلة تعيش تحت سقف واحد».
طبعا، يدرك الاولاد في اغلب الاحيان ان كان والداهم على خلاف، ويمكن ان ينعكس هذا التوتر سلبا على عقولهم وقلوبهم الفتية. مع ذلك، من الخطإ الافتراض ان الطلاق يسهم تلقائيا في خير الاولاد. تقول ليندا ج. وايت وماڠي ڠالَڠر في كتابهما الدفاع عن الزواج (بالانكليزية): «يبدو ان ترتيب الزواج يتيح للوالدين ان يؤدبوا اولادهم بثبات واتزان تأديبا يتجاوبون معه حتى لو لم يكن الزواج مثاليا».
الخلاصة: يمكن ان يهز الطلاق كيان اولادك، وخاصة اذا لم تحثهم على حيازة علاقة سليمة برفيق زواجك السابق. — انظر الاطار «بين نارين».
تناولت هذه المقالة اربعة عوامل يحسن بك ان تأخذها في الحسبان عند التفكير في الطلاق. وكما ذكرنا سابقا، القرار عائد اليك في حال خانك شريك حياتك. ومهما كان خيارك فاحذر العواقب، اعرف التحديات التي تنتظرك واستعد لمواجهتها.
بعد ان تمعن التفكير في المسألة، قد ترى ان الخيار الافضل هو العمل على تحسين زواجك. لكن هل يمكن ان يحالفك النجاح؟
^ الفقرة 8 جرى تغيير الاسماء في هذه المقالة.